الجمعة، 1 نوفمبر 2013

" الكون فى راحة اليد " لجيوكاندا بيلى





" الكون فى راحة اليد " لجيوكاندا بيلى
ع . النبي .فرج
أنفلت من صراع الحياة المنهك, وأترك العمل, خارجاً إلى الحقول الذي تحيط بالبلدة, التى اسكنها , أشجار البرتقال, والموز, والعنب, وبقايا أشجار التين, أو أسير بجوار شاطئ البحر, الذي يذكرنى دائما رغم انكساره , وطفو الطحالب , وورد النيل ,والخراء الذي يعوم , مع التيار أننا فى بلد غنى وساحر وأنهم مهما فعلوا لن يقضوا على هذا 


الجمال , وأترك نفسي لأحلام اليقظة, التى تتوالى داخل مخيلتى ,ولكن يظل الحلم الأكبر الأثيري, الذي لا أمل من تكراره داخل تجاويف الذات المنهكة, هو الحلم بأن أترك كل هذا الصراع المقيت , والتطلعات الزائفة والرغبات المنحرفة , واذهب الى الصحراء, أشتري قطعت أرض وأرويها ,من بئر ماء بالطريقة المصرية القديمة, وأزرع ما يكفينى فقط وأسرتي , ازرع أشجار التين, والعنب, والخوخ ,والرمان, والنخيل ,والموز ,والبطيخ ,والشمام والجوافة, والزهور ,والقمح والذرة و , ولتذهب المدينة الحديثة, الى الجحيم, فليذهب التلفاز, والسينما, والانترنت والسيارات والطائرات والأحذية والبدل والشربات والمصانع والمستشفيات و الكهرباء والأغاني الخليعة والأغاني الوطنية , وكل وسائل الترفيه الكابوسية فقط نحن والطبيعة البكر , وهذا الحلم مستحيل ولكن هو حلم إنساني بامتياز , حلم العودة الى الفردوس الذي تم طردنا أو تم نفيناً عقاباً على خطيئة ارتكبتها أمراءه شجاعة, أسمها حواء ومن يومها ظل الحلم بالعودة للفردوس جزءاً أساسياً من جوهر الإنسان , وحالى هذا هو حال الكاتبة جيوكاندا بيلى وروايتها العذبة " الكون فى راحة اليد " بترجمة أحمد عبد اللطيف و وتتناول الأسطورة الخالدة للبشرية وهى طرد أدم وحواء من الجنة والصراع الذي خاضاه سواء ضد الطبيعة القاسية أو الحيوانات المتوحشة أو صرا ع من أجل الوجود أنها رواية العزلة والغضب والعنف الدموي , والأنانية والرغبة فى الإستحواذ , نسجتها جيوكندا معتمدة على الأساطير التوراتية بلغتها الرفيعة واستعاراتها المدهش بمهارة تخيلية فائقة أنستني آدم وحواء وقصتهم الفوقية المعروفة فى الكتب المقدسة وزرعت آدم الإنسان الأرضي بكل نواقصه وعيوبه وجماله ورقته وعنفه ورغباته وحيرته واغترابه المرعب وخوفه البسيط وانكساره خاصة أمام قتل الأخ أخيه هذه التراجيدي الذي كشفت له مغذي الحياة والموت وانه قدر يحمله كجثة على كتفه يجب ان يتعايش معها , أما نصفه الأخر , فقد التقطت جيوكندا ميزة جوهرية فى المرأة أنها الأكثر مغامرة والأكثر جرئه والأكثر قدرة على التحمل والصبر أمام الشدائد ولولا عنف وجبروت رجال الدين المرتعشين أما موهبتها ورغبتهم المنحرفة فى قمع المرأة ومحاولتهم الدءوبة لعزلها عن العالم لغيرت تاريخ الإنسانية , وأعتقادي أن كل هذه المحاولات يائسة وأن كل هذه المحاولات البائسة لحذف المرأة لن تجدي فدور المرأة فى صناعة الحياة دور جوهر , أما اللغة الذي استخدمتها جيوكاندا فقد جاءت عذبة , راقية معبقة بالخصوبة والطبيعة البكر والذى ساعدها فى ذلك هو روح الكاتبة الشاعرة والذي جعلت من المكان غنى بالتفاصيل السحرية , البسيطة والمعبرة عن الواقع المدهش والأسر سواء فى مرحلة التيه أو فى مرحلة الاستقرار ومحاولة بناء عالم خالد على الأرض حتى حولته لواحة خالدة تجعلنا ندرك أن جوهر الحياة الأصيل هو العودة للطبيعة البكر

عبدالنبي فرج


ليست هناك تعليقات: