نيكولو باغانيني (27 أكتوبر 1782 - 27 مايو 1840) عازف كمان و كمان متوسط و غيتار و ملحن إيطالي. كان أحد الموهوبين على الكمان، و ترك بصمته كأحد ركائز تقنية الكمان الحديثة. كابريس رقم 24 في ايه ماينور هي من بين أفضل مؤلفاته و كان بمثابة مصدر إلهام للكثير من الملحنين البارزين. يعرفه أيضا كل قائد اوركسترا
محترف ... كما يعرفه كل من درس الموسيقى العالمية وكل من عزف الكمان ...وبالطبع تعرفه القارة الأوروبية باكملها فقد اشتهر هذا الموسيقى العالمي بالتأليف الموسيقى الرومانسي الغاية في الجمال والروعة كما أنه اشتهر اكثر بصعوبة مؤلفاته الموسيقية لان مؤلفاته تحتاج إلى تقنية عالية المستوى هذا بالاضافة إلى الكثير من ساعات التدريب .. بمعنى أن ليس كل من يجيد العزف على الكمان يستطيع قراءة موسيقى بجانينى ... لكن في الواقع هذا المؤلف الموسيقي اللامع قد دخل التاريخ أكثر من مرة سواء بتاليفه الموسيقى بشكل يدعو للاعجاب والدهشة أو بأنغامه الساحرة .. وذلك بالإضافة إلى أدائه الممتع .. ومن الجدير بالذكر ان أي عازف كمان في العالم .. يبلغ درجة الكمال في العزف عندما يقدم أحد أعمال بجانينى .. فجميع أعماله تتسم بالجمال والجاذبية والصعوبة... ويعتبر نيكولاي بجانينى 1782 _1840 من كبار أعمدة الموسيقى العالمية في العالم كان والده يعمل موظفا في الشحن البحري بمدينة جنوا الإيطالية ... ولاحظ اهتمام نيكولاي بحبه للموسيقى ... لكنه كان قد بدأ العزف في البداية على المندولين والجيتار .. ثم عشق الكمان وبدأ يدرس العزف عليها باهتمام ونشاط ملحوظ ثم قدمت له الكنيسة الرعاية في مدينة جنوا .. فقامت بتقديمه كعازف في الحفلات الرسمية ... وبدأ اسمه يلمع في المجتمع الإيطالي ... وبدأ بجانينى يدرس التأليف الموسيقى للكمان , ثم واصل دراسته مع أساتذة متخصصين ..ثم بدأ يطور الاداء الموسيقي على الكمان بموهبة قلما يجود الزمان بمثلها ... فقام بتأليف ستة كونشرتات للكمان و الأوركسترا ... ثم أضاف 24 كابريس ((نزوة)) للكمان والتي تعتبر حتى اليوم قمة في الاداء وغاية في الجمال الرومانسي والصعوبة .. كما أنه تخصص في تأليف الموسيقى الرومانسية وأعجب بموسيقاه كبار المؤلفين الموسيقيين الذين عاصروه مثل ((شوبان)) و ((برليوز)) و ((ليست)) كما انه نجح تماما في اثراء الموسيقى العالمية شكلا وموضوعا وحصل على كاريزما عالمية جعلته يقف شامخا في عالم الموسيقى والجمال فقد أضاف الكثير من طرق الأداء والتأليف التي لم يسبقه اليها أي موسيقى ثم أصبح بتأليفه الموسيقى الأخاذ وعزفه على الكمان اسما مرموقا يستحق التقدير والاعجاب وقد برع في العزف على هذه الآلة لدرجة أنه قام بتقليد اصوات الطيور المختلفة على الكمان ثم قام بجولة في القارة الأوروبية وقدم فيها مؤلفاته وعزفه فنالت استحسان جماهير القارة الأوروبية الذواقة ...فحصل على شعبية جارفة وحقق نجاحا فنيا غير مسبوق ... وأصبح كل من يعزف مؤلفات هذا العبقري وكأنه يحمل وساما على صدره يستحق التكريم والاحترام . وبعد أن أمتلك بجانينى أدوات الدراسة والفكر والموهبة و الابداع أصبحت جميع أعماله الموسيقية ذات قيمة , وقمة في الجمال و الابداع وللحديث بقية ...
----------------------------------------
نيكولو باغانيني.. فارس الموســيقى وأسطورة الكمان
المصدر: أثيل حمدان
رجل نحيف جداً وهزيل، له قوام تنين، وجه دائم الشحوب، حاد التعابير، عينا نسر أو عقاب، شعر مجعد طويل، كائن له خمس أقدام.. أنف مدبب طويل". تلك هي مفردات توصيف متأمل، اختار بإحاطاته، أحد النقاد المتخصصين، أن يرسم صورة لقوة مبدع ووحشية دفق الإلهام وروح الإبداع لديه.. ألا وهو عازف الكمان الأشهر والأغرب، الايطالي نيكولو باغانيني، الذي مثل نموذجاً للغرابة وجنون الابداع.
قصص وأحداث وابتكارات، متنوعة ومتعددة، ارتبطت باسم نيكولو باغانيني (1782 ـ1840م)، الذي أفلح في صوغ نموذج وأسلوب متفرد جديد، في العزف على الكمان، يختلف عن نهج معاصريه ومنافسيه، مثل: كرويتزر ولافونت. وكان هذان المبدعان، قد رأيا أن باغانيني.
وفي مدرسته ورؤاه، يمثل بهلوانا ومشعوذا. لكن الاخير، وعبر مهاراته الفذة، استطاع إثبات نفسه كأحد أبرز من سطروا صفحات تطور تقني مميز طالما سعى إلى تحقيقه في ذلك العصر (تحديدا في القرنين: 18 و19). ونجد أن فرانز ليست، أبرع عازفي البيانو تلك الفترة، أعاد النظر في أسلوبه وتقنيته في العزف، بعد أن حضر حفلا موسيقيا لباغانيني، في العاصمة الفرنسية باريس، عام 1836 .
الرد المناسب- المؤكد
شائعات وحكايات وأساطير كثيرة، نسجت حول شخصية نيكولو باغانيني. ويعتقد البعض، ان باغانيني نفسه، أسهم في تسعير وتعزيز قوة هذه الاقاويل والاتهامات المسلكية والعقلية له، من خلال سخريته اللاذعة منها، والتي أوّلت احيانا وكأنها تأكيد لحقيقتها، فرغم هزئه من مجموع الشائعات والخرافات المضحكة، المحاكة حوله، ومنها التي رأت ان هناك شيطانا يلهم إبداعه، كان، وفي رد محدد عليها، ظنه الانسب، استمر يلبس اللون الأسود القاتم بشكل دائم.
وبقي يحرص على متابعة مغامراته الخطرة التي انغمس معها في شرب الخمرة ولعب القمار وخوض علاقات عاطفية متعددة. وكانت ترسخ، بفعل هذه الاعتبارات، ونتيجة تصرفات كثيرة لدى نيكولو باغانيني، مقرونة بتميز إبداعه، رؤية وقناعة وحيدة في عمق خيال الموسيقيين وعامة الناس. مفادها، أنه باع روحه الى الشيطان، لقاء دروس لقنه إياها الأخير، في العزف على الكمان، عندما زاره (الشيطان) في السجن الذي دخله، خلال الفترة، ما بين عامي 1810 و 1813، بسبب الأذى الكبير الذي سببه لعشيقة خانته.
موهبة فذة
حرصت أسرة نيكولو باغانيني، ومنذ طفولته، في جنوة الايطالية، على تنشئته وإعداده جيدا ليكون صاحب مهارة فريدة في مجال العزف على الكمان.
وعرف عن باغانيني، خلال المراحل الاولى من حياته، انه كان شقيا جدا.. وبعد ان وضح في فترة طفولته، انه غير مهتم بالموسيقى، حاولت والدته ان تقوده الى التعلق باللحن والعزف، عبر شتى الطرق. ويوما ما اخبرته بأنها حلمت بأنه سيصبع مبدعا موسيقيا ذا شأن كبير.
وكان لكلام والدته هذا، كبير الاثر في قلبه وعقله. فعكف على تهيئة نفسه لينخرط في هذا التوجه، وهكذا طفق يتدرب ويعزف على كمان أبيه، وحاول استخراج بعض الألحان.
وخلال هذه الفترة، لاحظ والده ذلك التغير الكبير في شخصيته وفكره وميوله، وبناء عليه، أخذه الى المدرس المتخصصة بالمجال (العزف على الكمان) جيوفاني سيرفيه. ثم، وعقب ثلاثة دروس فقط، أصبح نيكولو الصغير( باغانيني)، قادرا على العزف من دون مساعدة أستاذه.
وإثرها، قرر الوالد أن يأخذه الى عازف الكمان كوستا، والذي طلب بدوره، مقابلا ماديا، لتدريس الصبي الموهوب، ولم يتأخر والد نيكولو باغانيني، حينها، رغم شهرته بالبخل، في إخراج قطعة ذهبية أعطاها لكوستا، كما وعده بأخرى ثانية، عقب نصف عام. وبعد مضي أشهر قليلة، أصبح الصبي يعزف أفضل من أستاذه الذي أعار العبقري الصغير كمانه، ذلك لإيمانه بتميز نيكولو، فبدأ تقديمه ضمن الحفلات، الامر الذي زاد الطلب على نيكولو الصغير.
وهذا ما كان يهم والده المقامر الجشع، أكثر من اهتمامه او تعلقه بالقيمة الفنية، كونه قاسيا ومحبا للمال، وبذا تبدى جليا أنه مارس على الصغير (نيكولو)، إرهابا نفسيا، كما فعل والد بيتهوفن. كما أنه لم يسع إلى تعليمه، إلا لأجل المنفعة المالية .
أحب نيكولو أن يتابع دراسته الموسيقية، والتمرس في الاتقان العلمي المتخصص، للعزف على الكمان، في مدينة بارما الايطالية، لدى الساندرو رولا. وكان ان ذُهل هذا الاخير بمستوى نيكولو، والذي جاء من مدينة جنوة التي كانت تتسم، آنذاك، بدرجة محددة من التطور الموسيقي، ولكن الصبي عزف عملاً موسيقياً صعباً جداً، من تأليف رولا ذاته، والذي قال عندها: (أعتقد أني أهلوس.. إن الشيطان نفسه يعزف عملي ). ولفت رولا، بعد ذلك الموقف، إلى أنه ليس لديه ما يلقنه لنيكولو باغانيني.
وهنا اختار ان يرسله إلى جيرتي وباير، لدراسة علوم التأليف الموسيقي والنظريات. وكان العازف الصبي، قد بات مشهورا جدا، في جميع مدن ايطاليا ومناطقها، خلال هذه المرحلة، بعد ان قضى عاما في تقديم حفلات كثيرة. وهكذا شرع في تقديم مؤلفاته، ذلك مثل: "رقصة السحرة".
انطلاقة حقيقية
قدم نيكولو باغانيني، بين عامي 1816 و 1820، الكثير من الحفلات. وخاض مسابقات عديدة مع أمهر عازفي الكمان في ذلك العصر، ومن أبرز تلك المنافسات، تلك التي جمعته بعازف الكمان الفرنسي الشهير لافونت، إذ أجبرته على إعادة النظر في الكثير من ملامح أدائه ومضامين مؤلفاته، كون أساتذة الموسيقى والعزف لم يعطوه الأفضلية على لافونت، إلا بفارق ضئيل.
فكتب في مذكراته، في عام 1816: (أهم شيء بالنسبة لي حاليا، هو أن أغير أسلوبي، وأن أصل الى ذروة الدور المنفرد والمثير لآلة الكمان). وكانت ثمرة هذه الفترة، ظهور الكونشيرتو الأول المكتوب له، في ما بين عامي 18 17 1818، ويعد واحدا من أعقد وأصعب الأعمال المكتوبة للكمان، حتى وقتنا الحالي.
.. بعيدا عن إيطاليا
لم تغب قصص العشق عن غرائبية طابع حياة نيكولو باغانيني، وهكذا، وبعد شفائه من مرض غريب، شبيه بالسل، ألم به في عام 1821، أحب في مدينة البندقية، مغنية إيطالية تدعى انطونيا بيانتشي. وارتبط معها بعلاقة عاطفية، ورزقا بفتى ( هو الابن الوحيد لنيكولو باغانيني)، أسمياه: اشيلينو.
ولم يعفه القدر من أحكامه القاسية، فكان على موعد مع نشوب الخلاف بينه وبين حبيبته، وكذا تضاعف حدة النزاعات بينهما، ومن ثم خلافه التاريخي مع الكنيسة التي رفضت تزويجه، باعتباره كافرا باع روحه إلى الشيطان، وغادر ايطاليا الى فيينا التي سبقته شهرته إليها منذ وقت طويل، فتعرف هناك على عازفي فرقة فيينا. وبدأ تمارينه معهم، ففوجئ بارتفاع مستواهم، وأثنى بشدة على أدائهم ومهارتهم العالية.
وحازت حفلاته مع الفرقة، شعبية واهتماماً نوعيين، وكانت أصداء الحفل الأول مميزة جدا، ووصل سعر بطاقة الدخول إليه الى مبلغ قدره خمس قطع ذهبية. ومثلت تلك الحفلة، فعالية فريدة على مستوى العالم، إذ حقق فيها نيكولو باغانيني انتصاراً تاريخياً، ذلك مع تقديمه مؤلفاته في الكونشيرتو الأول بعد أن أدخل تعديلات على المقام ليكون أكثر لمعانا، ثم قدم تنويعات على لحن من أوبرا موزارت ( زواج الفيغارو ).
وأعقب ذلك، خلال الحفلة، بعزفه عدة تحولات على وتر واحد تتسم بالصعوبة والمفاجأة، إذ انتزع أثناء العزف، جميع أوتار الكمان، وأبقى على واحد فقط. وقال فرانز شوبرت، عن الحركة الثانية من الكونشيرتو الأول لباغانيني : "سمعت الملائكة تغني على الكمان".
إن نجاح ذلك الحفل أدى إلى الطلب المضاعف على تنظيمه في عدة اماكن وأوقات، ضمن فيينا وحدها، بمعدل أكثر من عشرين مرة، وفي كل حفل، كان باغانيني يقدم جديدا، وبذا شهدت فيينا الأداء الأول للكونشيرتو الثاني له، المشهور بحركة (لا كامبنيلا)، ثم الكونشيرتو الثالث، ضمن حفل آخر له. ودرت تلك الحفلات، أموالاً كثيرة درت عليه، فأصبح أثرى موسيقي عرفه التاريخ، تلك الفترة.
ولكن انفصاله عن انطونيا، كان قد كلفه الكثير من المال.ذلك لأنها طالبت بتعويض عن سنوات عيشهما معا، وتعويض عن عدم حضانتها ابنها، والذي كانت قد وعدت بألا تطالب به، وفي نهاية المطاف، دفع لها باغانيني خمسة آلاف قطعة ذهبية. وأصبح اشيلينو ( ابنه الصغير) يرافق والده خلال جولاته الموسيقية، في أنحاء أوروبا، ومع ذلك، غدا باغانيني لا يتوانى في طلب أعلى الأسعار لقاء حفلاته، رغبة منه بتأمين مستقبل ولده الوحيد.
نكبات القدر.. وتحولات
أصيب نيكولو باغانيني، في عام 1830، بسرطان الحنجرة، فابتعد عن أصدقائه، وبات قاسي الطبع، بخيلاً تارة وكريماً أخرى. كما ظهر كشخص متقلب المزاج وكثير الريبة والخوف على صحته، فلجأ الى المحتالين والمشعوذين من الأطباء. وسمح لنفسه بإلغاء حفلات كبيرة إذا لم يدفع له أجره عنها، مقدما. وفي عام 1832 قدم حفلاً كبيراً في باريس، خصص ريعه لضحايا مرض الكوليرا الذي اجتاح العاصمة الفرنسية حينها.
في جنوة بعد 35 عاماً
بعد غياب ست سنوات، قضاها نيكولو باغانيني، في فيينا وأوروبا عموما، إثر خلافه مع حبيبته والكنيسة، عاد الى إيطاليا في عام 1834. واشترى الكثير من الأراضي والأملاك في بارما، عام 1835. وعقب غياب 35 عاما، سافر إلى مدينته الأم جنوة، لإزاحة الستار عن تمثال من المرمر خصص لتخليد ذكراه وإنجازاته. وعقبها، استمرت صحته بالتدهور، إلى أن فقد القدرة على الكلام. وأصبح ابنه الإنسان الوحيد القادر على فهمه وتفسير رغباته للآخرين. فسافر إلى فرنسا للعلاج وهناك سمع (هارولد في إيطاليا) للمؤلف الفرنسي هكتور برليوز وتحت قيادته، بعد الحفل صعد باغانيني وابنه الى المسرح.
فقال اشيلينو لبرليوز، يريد والدي أن يقول لك بأن أي حفل موسيقي لم يترك عليه مثل هذا الأثر، ثم قبل يديه أمام كل الحاضرين مع أن برليوز كان يصغره بعشرين عاما تقريبا، وتبرع له بعدها بعشرين ألف قطعة ذهبية، وبعدها كتب برليوز السيمفونية المشهورة بالدرامية، وأهداها الى باغانيني، ولكنه لم يستمع إليها بسبب سفره إلى نيس للعلاج، حيث مكث فيها طوال فترة فصل الربيع في عام 1840، بسبب تدهور حالته الصحية، وازدياد آلامه .
يعد نيكولو باغانيني، الذي ولد في مدينة جنوة الايطالية، من أبرز عازفي الكمان، على مستوى العالم. وشكل ظاهرة إبداعية فريدة. وقدم مجموعة مهمة من الابداعات الموسيقية، إذ كتب 8 كونشيرتات للكمان مع الاوركسترا، و24 كابريس للكمان المنفرد، و4 شعر رباعية للكمان والفيولا والتشيللو (الكمان الجهير) والغيتار.
كذلك 12 سوناتا للكمان بمرافقة غيتار، والكثير من المتنوعات المكتوبة للكمان المنفرد، التي تعد من أصعب ما كتب لآلة الكمان في تاريخ الموسيقى. كما أنه امتلك سبع آلات كمان، وعدة آلات غيتار لأفضل صناع ذلك العصر، تلك الآلات كانت ذات قيمة فنية ونقدية كبيرة.
صراع أخير
لفظ نيكولو باغانيني آخر أنفاسه، بين يدي ولده الوحيد اشيلينو. وقد ارتاح الجسد لكن روحه لم تسترح حتى 1896 لأن أسقف مدينة نيس أصدر أمرا بعدم دفنه على أرض مسيحية، مستندا في قراره الى مرسوم بابوي باللعنة والحرمان، لأنه باع روحه الى الشيطان (حسب الشائعات حوله)، فوضعت الجثة في قبو الفيلا في نيس، ثم حملها ابنه في سفينة متجهة الى جنوة مسقط رأس أبيه التي كانت لا تزال تؤمن بالخرافات، لكن المدينة رفضت استقبال الجثة، وهكذا رجع اشيلينو بها إلى مدينة بارما، إذ سمح البابا بدفنه في حديقة منزله، ومن ثم نقل إلى مقبرة المدينة في 1876، وبعدها نقل رفاته الى المقبرة الجديدة في عام 1896 .
_________________________
نزوات" نيكولو باغانيني : الريادة عبء على المبدعين
الكاتب: إبراهيم العريس
هل يمكن اعتبار باغانيني واحداً من كبار الموسيقيين في تاريخ الموسيقى الغربية؟ هذا سؤال مطروح في شكل دائم وحاد ... وهو يطرح من جديد في كل مرة يكتشف فيها عمل لموسيقي آخر، غير باغانيني، هو - أي العمل - مجرد تنويع على موضوع لباغانيني، وحتى على جملة موسيقية له. والجدال لم يحسم حول هذا الأمر، أي حول قيمة باغانيني في ساحة التأليف الموسيقي. ومع هذا ثمة من بين الباحثين والنقاد والمؤرخين، من يعزو الى الموسيقى أفضالاً كثيرة، ربما يكون في مقدمها، أنه يعتبر - اذا استثنينا جان سيباستيان باخ - المؤلف الوحيد في تاريخ الموسيقى الذي نظر الى الكمان نظرة خاصة مفضلاً اعتبارها آلة قائمة في ذاتها، لا مجرد آلة مصاحبة كما هي الحال في آراء معظم مؤلفي الموسيقى وممارساتهم. باخ سبقه الى هذا، وكتب أعمالاً للكمان خالدة، ولكن دائماً ضمن اهتمام الموسيقي الألماني الكبير بكل آلة على حدة وخصها بمقطوعات تتجلى فيها قوتها، وقوته هو بالأحرى. أما بالنسبة الى باغانيني، فإن الكمان كانت ذات حظوة فائقة لديه، الى درجة أن من أشهر أعماله تلك"النزوات"Caprices، التي لا تقدم إلا على هذه الآلة، وهي أعمال قادها كثر من الفنانين، ولا سيما فرانز ليست في"دراساته"الشهيرة. والحقيقة أنه لم يكن من قبيل المصادفة أن تحمل مقطوعات ليست اسم"دراسات"، في الوقت الذي حملت مقطوعات باغانيني اسم"نزوات"... ذلك أن المنطق الموسيقي يقول لنا ان نزوات باغانيني هذه، هي أقرب الى أن تكون دراسات"قانونية"بالمعنى العلمي للكلمة، اذ قلة منها فقط تستأهل اسم نزوات، لأن هذا الاسم الأخير يعكس تلقائية وانفلاتاً من القيود وخرقاً لقوانين المنطق العقلاني في الموسيقى. أما"نزوات"باغانيني، فشديدة العقلانية، ما يجعلها بدورها دراسات لا أكثر.
> مهما يكن من أمر، اذا وضعنا التسمية جانباً، سنجد أنفسنا أمام 84 مقطوعة قصيرة أو متوسطة الطول نشرها نيكولو باغانيني في ميلانو في العام 1820، وتحديداً على شكل دراسات للكمان منفردة. وهي في مجموعها تحمل الرقم واحد في سلسلة أعمال هذا الموسيقي... وتشكل، في رأي نقاد كثر، أهم ما كتبه من موسيقى على الاطلاق. صحيح أن هذه الأهمية تأتي من الجانب التقني الخالص الذي يطبع المقطوعات كلها، لكنه في الوقت نفسه يأتي من البعد الفني لعدد منها، ولا سيما منها تلك التي أعاد موسيقيون كثر الاشتغال عليها، ومنهم فرانز ليست الذي حوّل خمساً منها من كونها موضوعة للكمان، الى قطع للبيانو، التي أعاد موسيقيون كثر الاشتغال عليها، ومنهم كذلك روبرت شومان الذي اقتبس من باغانيني 12 نزوة جعلها تعزف - مع تعليقات - على البيانو الكبير. وقد وصل الأمر الى رخمانينوف الذي اشتغل أوائل القرن العشرين على"تيمة"من تيمات هذه النزوات ليحولها الى تنويعة تعزف كذلك على البيانو. فهل علينا هنا أن نحذو حذو كبار النقاد لنشير الى أن التقليد، هذه المرة على الأقل، تفوق على الأصول، وأن ما أتى لدى باغانيني، تقنياً تجريبياً، صار عبر ابداع"مقلديه"أعمالاً فنية كبيرة؟ ان الجواب عن هذا السؤال يخص في الحقيقة من يحبون الاستماع الى الأصل والتقليد ليحكموا بأنفسهم. أما هنا فنبقى عند تلك الدراسات الباغانينية المسماة"نزوات".
> تتسم هذه المقطوعات في شكل عام بكونها قصيرة غالباً، وشديدة التنوع في أشكالها. وهي تتألف، بالنسبة الى البعض منها من جزء موسيقي واحد خطي، يبدو عبارة عن جملة موسيقية - تتكرر أحياناً -، لكنها بالنسبة الى البعض الآخر، قد تتألف واحدتها من جزءين أو ثلاثة مع موضوعات وتنويعات. ولعل هذا التنوع هو الذي جعل الدارسين يرون أنها - وبصورة عامة - تشكل ما يشبه"حقل تجارب لدراسة آلة الكمان وإمكاناتها"... وهو ما ينطبق أيضاً على أعمال كثيرة أخرى لباغانيني - ما يفسر، ولو جزئياً، شغف الموسيقيين بالتنويع على موضوعات هذا الفنان وجمله الموسيقية -. غير أن ما يميز"النزوات"في هذا الاطار، هو أن التجريبية تتسع لتشمل أصنافاً كثيرة من الإبداع الخاص بالكمان، والمستعار أحياناً مما يكرس آلات أخرى. وكل هذا يقدم هنا في شكل ممنهج، كما حال الهارمونيات المزدوجة، وتوحيد"بيتزيكاتي"اليد اليسرى مع ضربة القوس، وپ"التريمولوس"المصاحبة للميلوديا، وتعدد أنواع الستاكاتو، والمرور الى الوتر الرابع... وما الى ذلك من أساليب ننقلها هنا بحذافيرها عن عدد من الدارسين الذين غاصوا، تقنياً، في تجديد باغانيني في كل المجالات ما يعطيه دور الريادة، وجمودها، حيث نعرف أن ثمة فنانين آخرين تلقفوا من بعده كل هذه التجديدات وضروب الأسلبة، التي تبدو لديه مدرسية تجريبية، ليحولوها الى أعمال ابداعية خالصة.
> والحقيقة أن هذا الفارق بين المجدد الرائد، والمقلد أو المتابع المبدع، هو الذي استوقف الباحثين، وجعلهم يقولون مثلاً ان فن باغانيني يكشف كم أن آفاقه الفنية كانت محدودة، عكس قدرته على الابتكار التي كانت من دون حدود، ووضعها تاريخ الموسيقى في خدمة فن الموسيقى أكثر مما وضعها في خدمة الفنان المبتكر نفسه. ومع هذا كله، ثمة من بين النقاد المؤرخين من رأى في الأمر ظلماً كبيراً لباغانيني، مستنداً الى المقطوعات نفسها لكي يقول ان ثمة من بين هذه النزوات قطعاً ملهمة وجديرة بأن تقارن، حقاً، بأعمال، باخ في المجال نفسه. وهؤلاء يضربون مثلاً على هذا التأكيد بالنزوة الرقم 1 - من مقام"مي"كبير - ذات الهارمونيا الغنية والقفزات المدهشة، والنزوة الرقم 2 - من مقام"سي"صغير - ذات الصفاء والعذوبة اللامتناهيين. ويتابع أصحاب هذا الرأي واصفين النزوتين الرقم 11 وپ21، بأنهما"تتمتعان بميلوديا نادرة"، لافتين، مثلاً، الى أن النزوة التي تحمل الرقم 6 - من مقام"صول"صغير - تبدو مفعمة بالقوة الفنية التعبيرية، على رغم أنها للوهلة الأولى تبدو أشبه بتمرين تقني خالص... ولمناسبة الحديث عن هذه"النزوة"السادسة قد يفيد أن نشير الى أنها تبقى دائماً المفضلة لدى النقاد والباحثين،"لأنها ذات طابع تأملي"يبدو"فريداً من نوعه في موسيقى باغانيني". حتى وإن كانت النزوات 13 وپ17 وپ24، هي التي تعزف أكثر من غيرها من جانب الموسيقيين الذين يرون في عزف بعض هذه النزوات ألقاً وإعادة اعتبار الى آلة الكمان. علماً أن النزوة الرقم 24 هذه جذبت الموسيقيين الى الاشتغال عليها، أكثر من أي نزوة أخرى، فنقلها ليست الى البيانو، أما براهمز فإنه جعل منها موضوع تنويعات حرة أداها على البيانو لتصبح من أشهر أعماله، وتساهم، حتى أكثر من نزوات باغانيني مجتمعة في تأكيد شهرة هذا الفنان لدى محبي الموسيقى.
> ومن هنا الى القول بأن شهرة باغانيني انما صنعها مقلدوه ومتابعوه ومنفذو تجاربه التقنية، خطوة قطعها النقد والتاريخ الموسيقي دائماً، ولكن - كما أسلفنا - مع قدر كبير من الظلم لفنان عاش 1782 - 1840 في عز العصر الذهبي لازدهار الموسيقى الكلاسيكية الألمانية، فأمن وحده تقريباً حضور الموسيقى الإيطالية الخالصة، في زمن كان أهل الموسيقى يعتبرون أن لا وجود لهذا الفن الأوركسترالي أو على آلات منفردة إلا في المانيا، تاركين لإيطاليا فن الأوبرا والغناء، أي الفن الذي لم يبرغ فيه باغانيني في شكل خاص. وباغانيني عاش على أية حال حياة حفلت بالبؤس والازدهار، كما امتلأت بالنساء وحكايات الغرام، بحيث يعتبر من أشهر العشاق في تاريخ الموسيقى الايطالية، الى درجة ان الكتاب الوحيد الموجود عن باغانيني في العربية منذ الخمسينات هو كتاب مترجم عنوانه"باغانيني ساحر النساء"... ويكفي هذا العنوان، بالطبع، سبباً للعمل الدائم على اعادة الاعتبار الى أصحاب "النزوات" الأشهر في عالم هذا الفن.
المصدر: الحياة
_________________________________
نماذج من اعماله
https://www.youtube.com/watch?v=vPcnGrie__M
https://www.youtube.com/watch?v=ra-mRawdH3o
https://www.youtube.com/watch?v=fFzla9OYiwk
https://www.youtube.com/watch?v=scOYnUf9gJo
https://www.youtube.com/watch?v=dLJMXMy1FcU
نيكولو باغانيني.. فارس الموســيقى وأسطورة الكمان
المصدر: أثيل حمدان
رجل نحيف جداً وهزيل، له قوام تنين، وجه دائم الشحوب، حاد التعابير، عينا نسر أو عقاب، شعر مجعد طويل، كائن له خمس أقدام.. أنف مدبب طويل". تلك هي مفردات توصيف متأمل، اختار بإحاطاته، أحد النقاد المتخصصين، أن يرسم صورة لقوة مبدع ووحشية دفق الإلهام وروح الإبداع لديه.. ألا وهو عازف الكمان الأشهر والأغرب، الايطالي نيكولو باغانيني، الذي مثل نموذجاً للغرابة وجنون الابداع.
قصص وأحداث وابتكارات، متنوعة ومتعددة، ارتبطت باسم نيكولو باغانيني (1782 ـ1840م)، الذي أفلح في صوغ نموذج وأسلوب متفرد جديد، في العزف على الكمان، يختلف عن نهج معاصريه ومنافسيه، مثل: كرويتزر ولافونت. وكان هذان المبدعان، قد رأيا أن باغانيني.
وفي مدرسته ورؤاه، يمثل بهلوانا ومشعوذا. لكن الاخير، وعبر مهاراته الفذة، استطاع إثبات نفسه كأحد أبرز من سطروا صفحات تطور تقني مميز طالما سعى إلى تحقيقه في ذلك العصر (تحديدا في القرنين: 18 و19). ونجد أن فرانز ليست، أبرع عازفي البيانو تلك الفترة، أعاد النظر في أسلوبه وتقنيته في العزف، بعد أن حضر حفلا موسيقيا لباغانيني، في العاصمة الفرنسية باريس، عام 1836 .
الرد المناسب- المؤكد
شائعات وحكايات وأساطير كثيرة، نسجت حول شخصية نيكولو باغانيني. ويعتقد البعض، ان باغانيني نفسه، أسهم في تسعير وتعزيز قوة هذه الاقاويل والاتهامات المسلكية والعقلية له، من خلال سخريته اللاذعة منها، والتي أوّلت احيانا وكأنها تأكيد لحقيقتها، فرغم هزئه من مجموع الشائعات والخرافات المضحكة، المحاكة حوله، ومنها التي رأت ان هناك شيطانا يلهم إبداعه، كان، وفي رد محدد عليها، ظنه الانسب، استمر يلبس اللون الأسود القاتم بشكل دائم.
وبقي يحرص على متابعة مغامراته الخطرة التي انغمس معها في شرب الخمرة ولعب القمار وخوض علاقات عاطفية متعددة. وكانت ترسخ، بفعل هذه الاعتبارات، ونتيجة تصرفات كثيرة لدى نيكولو باغانيني، مقرونة بتميز إبداعه، رؤية وقناعة وحيدة في عمق خيال الموسيقيين وعامة الناس. مفادها، أنه باع روحه الى الشيطان، لقاء دروس لقنه إياها الأخير، في العزف على الكمان، عندما زاره (الشيطان) في السجن الذي دخله، خلال الفترة، ما بين عامي 1810 و 1813، بسبب الأذى الكبير الذي سببه لعشيقة خانته.
موهبة فذة
حرصت أسرة نيكولو باغانيني، ومنذ طفولته، في جنوة الايطالية، على تنشئته وإعداده جيدا ليكون صاحب مهارة فريدة في مجال العزف على الكمان.
وعرف عن باغانيني، خلال المراحل الاولى من حياته، انه كان شقيا جدا.. وبعد ان وضح في فترة طفولته، انه غير مهتم بالموسيقى، حاولت والدته ان تقوده الى التعلق باللحن والعزف، عبر شتى الطرق. ويوما ما اخبرته بأنها حلمت بأنه سيصبع مبدعا موسيقيا ذا شأن كبير.
وكان لكلام والدته هذا، كبير الاثر في قلبه وعقله. فعكف على تهيئة نفسه لينخرط في هذا التوجه، وهكذا طفق يتدرب ويعزف على كمان أبيه، وحاول استخراج بعض الألحان.
وخلال هذه الفترة، لاحظ والده ذلك التغير الكبير في شخصيته وفكره وميوله، وبناء عليه، أخذه الى المدرس المتخصصة بالمجال (العزف على الكمان) جيوفاني سيرفيه. ثم، وعقب ثلاثة دروس فقط، أصبح نيكولو الصغير( باغانيني)، قادرا على العزف من دون مساعدة أستاذه.
وإثرها، قرر الوالد أن يأخذه الى عازف الكمان كوستا، والذي طلب بدوره، مقابلا ماديا، لتدريس الصبي الموهوب، ولم يتأخر والد نيكولو باغانيني، حينها، رغم شهرته بالبخل، في إخراج قطعة ذهبية أعطاها لكوستا، كما وعده بأخرى ثانية، عقب نصف عام. وبعد مضي أشهر قليلة، أصبح الصبي يعزف أفضل من أستاذه الذي أعار العبقري الصغير كمانه، ذلك لإيمانه بتميز نيكولو، فبدأ تقديمه ضمن الحفلات، الامر الذي زاد الطلب على نيكولو الصغير.
وهذا ما كان يهم والده المقامر الجشع، أكثر من اهتمامه او تعلقه بالقيمة الفنية، كونه قاسيا ومحبا للمال، وبذا تبدى جليا أنه مارس على الصغير (نيكولو)، إرهابا نفسيا، كما فعل والد بيتهوفن. كما أنه لم يسع إلى تعليمه، إلا لأجل المنفعة المالية .
أحب نيكولو أن يتابع دراسته الموسيقية، والتمرس في الاتقان العلمي المتخصص، للعزف على الكمان، في مدينة بارما الايطالية، لدى الساندرو رولا. وكان ان ذُهل هذا الاخير بمستوى نيكولو، والذي جاء من مدينة جنوة التي كانت تتسم، آنذاك، بدرجة محددة من التطور الموسيقي، ولكن الصبي عزف عملاً موسيقياً صعباً جداً، من تأليف رولا ذاته، والذي قال عندها: (أعتقد أني أهلوس.. إن الشيطان نفسه يعزف عملي ). ولفت رولا، بعد ذلك الموقف، إلى أنه ليس لديه ما يلقنه لنيكولو باغانيني.
وهنا اختار ان يرسله إلى جيرتي وباير، لدراسة علوم التأليف الموسيقي والنظريات. وكان العازف الصبي، قد بات مشهورا جدا، في جميع مدن ايطاليا ومناطقها، خلال هذه المرحلة، بعد ان قضى عاما في تقديم حفلات كثيرة. وهكذا شرع في تقديم مؤلفاته، ذلك مثل: "رقصة السحرة".
انطلاقة حقيقية
قدم نيكولو باغانيني، بين عامي 1816 و 1820، الكثير من الحفلات. وخاض مسابقات عديدة مع أمهر عازفي الكمان في ذلك العصر، ومن أبرز تلك المنافسات، تلك التي جمعته بعازف الكمان الفرنسي الشهير لافونت، إذ أجبرته على إعادة النظر في الكثير من ملامح أدائه ومضامين مؤلفاته، كون أساتذة الموسيقى والعزف لم يعطوه الأفضلية على لافونت، إلا بفارق ضئيل.
فكتب في مذكراته، في عام 1816: (أهم شيء بالنسبة لي حاليا، هو أن أغير أسلوبي، وأن أصل الى ذروة الدور المنفرد والمثير لآلة الكمان). وكانت ثمرة هذه الفترة، ظهور الكونشيرتو الأول المكتوب له، في ما بين عامي 18 17 1818، ويعد واحدا من أعقد وأصعب الأعمال المكتوبة للكمان، حتى وقتنا الحالي.
.. بعيدا عن إيطاليا
لم تغب قصص العشق عن غرائبية طابع حياة نيكولو باغانيني، وهكذا، وبعد شفائه من مرض غريب، شبيه بالسل، ألم به في عام 1821، أحب في مدينة البندقية، مغنية إيطالية تدعى انطونيا بيانتشي. وارتبط معها بعلاقة عاطفية، ورزقا بفتى ( هو الابن الوحيد لنيكولو باغانيني)، أسمياه: اشيلينو.
ولم يعفه القدر من أحكامه القاسية، فكان على موعد مع نشوب الخلاف بينه وبين حبيبته، وكذا تضاعف حدة النزاعات بينهما، ومن ثم خلافه التاريخي مع الكنيسة التي رفضت تزويجه، باعتباره كافرا باع روحه إلى الشيطان، وغادر ايطاليا الى فيينا التي سبقته شهرته إليها منذ وقت طويل، فتعرف هناك على عازفي فرقة فيينا. وبدأ تمارينه معهم، ففوجئ بارتفاع مستواهم، وأثنى بشدة على أدائهم ومهارتهم العالية.
وحازت حفلاته مع الفرقة، شعبية واهتماماً نوعيين، وكانت أصداء الحفل الأول مميزة جدا، ووصل سعر بطاقة الدخول إليه الى مبلغ قدره خمس قطع ذهبية. ومثلت تلك الحفلة، فعالية فريدة على مستوى العالم، إذ حقق فيها نيكولو باغانيني انتصاراً تاريخياً، ذلك مع تقديمه مؤلفاته في الكونشيرتو الأول بعد أن أدخل تعديلات على المقام ليكون أكثر لمعانا، ثم قدم تنويعات على لحن من أوبرا موزارت ( زواج الفيغارو ).
وأعقب ذلك، خلال الحفلة، بعزفه عدة تحولات على وتر واحد تتسم بالصعوبة والمفاجأة، إذ انتزع أثناء العزف، جميع أوتار الكمان، وأبقى على واحد فقط. وقال فرانز شوبرت، عن الحركة الثانية من الكونشيرتو الأول لباغانيني : "سمعت الملائكة تغني على الكمان".
إن نجاح ذلك الحفل أدى إلى الطلب المضاعف على تنظيمه في عدة اماكن وأوقات، ضمن فيينا وحدها، بمعدل أكثر من عشرين مرة، وفي كل حفل، كان باغانيني يقدم جديدا، وبذا شهدت فيينا الأداء الأول للكونشيرتو الثاني له، المشهور بحركة (لا كامبنيلا)، ثم الكونشيرتو الثالث، ضمن حفل آخر له. ودرت تلك الحفلات، أموالاً كثيرة درت عليه، فأصبح أثرى موسيقي عرفه التاريخ، تلك الفترة.
ولكن انفصاله عن انطونيا، كان قد كلفه الكثير من المال.ذلك لأنها طالبت بتعويض عن سنوات عيشهما معا، وتعويض عن عدم حضانتها ابنها، والذي كانت قد وعدت بألا تطالب به، وفي نهاية المطاف، دفع لها باغانيني خمسة آلاف قطعة ذهبية. وأصبح اشيلينو ( ابنه الصغير) يرافق والده خلال جولاته الموسيقية، في أنحاء أوروبا، ومع ذلك، غدا باغانيني لا يتوانى في طلب أعلى الأسعار لقاء حفلاته، رغبة منه بتأمين مستقبل ولده الوحيد.
نكبات القدر.. وتحولات
أصيب نيكولو باغانيني، في عام 1830، بسرطان الحنجرة، فابتعد عن أصدقائه، وبات قاسي الطبع، بخيلاً تارة وكريماً أخرى. كما ظهر كشخص متقلب المزاج وكثير الريبة والخوف على صحته، فلجأ الى المحتالين والمشعوذين من الأطباء. وسمح لنفسه بإلغاء حفلات كبيرة إذا لم يدفع له أجره عنها، مقدما. وفي عام 1832 قدم حفلاً كبيراً في باريس، خصص ريعه لضحايا مرض الكوليرا الذي اجتاح العاصمة الفرنسية حينها.
في جنوة بعد 35 عاماً
بعد غياب ست سنوات، قضاها نيكولو باغانيني، في فيينا وأوروبا عموما، إثر خلافه مع حبيبته والكنيسة، عاد الى إيطاليا في عام 1834. واشترى الكثير من الأراضي والأملاك في بارما، عام 1835. وعقب غياب 35 عاما، سافر إلى مدينته الأم جنوة، لإزاحة الستار عن تمثال من المرمر خصص لتخليد ذكراه وإنجازاته. وعقبها، استمرت صحته بالتدهور، إلى أن فقد القدرة على الكلام. وأصبح ابنه الإنسان الوحيد القادر على فهمه وتفسير رغباته للآخرين. فسافر إلى فرنسا للعلاج وهناك سمع (هارولد في إيطاليا) للمؤلف الفرنسي هكتور برليوز وتحت قيادته، بعد الحفل صعد باغانيني وابنه الى المسرح.
فقال اشيلينو لبرليوز، يريد والدي أن يقول لك بأن أي حفل موسيقي لم يترك عليه مثل هذا الأثر، ثم قبل يديه أمام كل الحاضرين مع أن برليوز كان يصغره بعشرين عاما تقريبا، وتبرع له بعدها بعشرين ألف قطعة ذهبية، وبعدها كتب برليوز السيمفونية المشهورة بالدرامية، وأهداها الى باغانيني، ولكنه لم يستمع إليها بسبب سفره إلى نيس للعلاج، حيث مكث فيها طوال فترة فصل الربيع في عام 1840، بسبب تدهور حالته الصحية، وازدياد آلامه .
يعد نيكولو باغانيني، الذي ولد في مدينة جنوة الايطالية، من أبرز عازفي الكمان، على مستوى العالم. وشكل ظاهرة إبداعية فريدة. وقدم مجموعة مهمة من الابداعات الموسيقية، إذ كتب 8 كونشيرتات للكمان مع الاوركسترا، و24 كابريس للكمان المنفرد، و4 شعر رباعية للكمان والفيولا والتشيللو (الكمان الجهير) والغيتار.
كذلك 12 سوناتا للكمان بمرافقة غيتار، والكثير من المتنوعات المكتوبة للكمان المنفرد، التي تعد من أصعب ما كتب لآلة الكمان في تاريخ الموسيقى. كما أنه امتلك سبع آلات كمان، وعدة آلات غيتار لأفضل صناع ذلك العصر، تلك الآلات كانت ذات قيمة فنية ونقدية كبيرة.
صراع أخير
لفظ نيكولو باغانيني آخر أنفاسه، بين يدي ولده الوحيد اشيلينو. وقد ارتاح الجسد لكن روحه لم تسترح حتى 1896 لأن أسقف مدينة نيس أصدر أمرا بعدم دفنه على أرض مسيحية، مستندا في قراره الى مرسوم بابوي باللعنة والحرمان، لأنه باع روحه الى الشيطان (حسب الشائعات حوله)، فوضعت الجثة في قبو الفيلا في نيس، ثم حملها ابنه في سفينة متجهة الى جنوة مسقط رأس أبيه التي كانت لا تزال تؤمن بالخرافات، لكن المدينة رفضت استقبال الجثة، وهكذا رجع اشيلينو بها إلى مدينة بارما، إذ سمح البابا بدفنه في حديقة منزله، ومن ثم نقل إلى مقبرة المدينة في 1876، وبعدها نقل رفاته الى المقبرة الجديدة في عام 1896 .
_________________________
نزوات" نيكولو باغانيني : الريادة عبء على المبدعين
الكاتب: إبراهيم العريس
هل يمكن اعتبار باغانيني واحداً من كبار الموسيقيين في تاريخ الموسيقى الغربية؟ هذا سؤال مطروح في شكل دائم وحاد ... وهو يطرح من جديد في كل مرة يكتشف فيها عمل لموسيقي آخر، غير باغانيني، هو - أي العمل - مجرد تنويع على موضوع لباغانيني، وحتى على جملة موسيقية له. والجدال لم يحسم حول هذا الأمر، أي حول قيمة باغانيني في ساحة التأليف الموسيقي. ومع هذا ثمة من بين الباحثين والنقاد والمؤرخين، من يعزو الى الموسيقى أفضالاً كثيرة، ربما يكون في مقدمها، أنه يعتبر - اذا استثنينا جان سيباستيان باخ - المؤلف الوحيد في تاريخ الموسيقى الذي نظر الى الكمان نظرة خاصة مفضلاً اعتبارها آلة قائمة في ذاتها، لا مجرد آلة مصاحبة كما هي الحال في آراء معظم مؤلفي الموسيقى وممارساتهم. باخ سبقه الى هذا، وكتب أعمالاً للكمان خالدة، ولكن دائماً ضمن اهتمام الموسيقي الألماني الكبير بكل آلة على حدة وخصها بمقطوعات تتجلى فيها قوتها، وقوته هو بالأحرى. أما بالنسبة الى باغانيني، فإن الكمان كانت ذات حظوة فائقة لديه، الى درجة أن من أشهر أعماله تلك"النزوات"Caprices، التي لا تقدم إلا على هذه الآلة، وهي أعمال قادها كثر من الفنانين، ولا سيما فرانز ليست في"دراساته"الشهيرة. والحقيقة أنه لم يكن من قبيل المصادفة أن تحمل مقطوعات ليست اسم"دراسات"، في الوقت الذي حملت مقطوعات باغانيني اسم"نزوات"... ذلك أن المنطق الموسيقي يقول لنا ان نزوات باغانيني هذه، هي أقرب الى أن تكون دراسات"قانونية"بالمعنى العلمي للكلمة، اذ قلة منها فقط تستأهل اسم نزوات، لأن هذا الاسم الأخير يعكس تلقائية وانفلاتاً من القيود وخرقاً لقوانين المنطق العقلاني في الموسيقى. أما"نزوات"باغانيني، فشديدة العقلانية، ما يجعلها بدورها دراسات لا أكثر.
> مهما يكن من أمر، اذا وضعنا التسمية جانباً، سنجد أنفسنا أمام 84 مقطوعة قصيرة أو متوسطة الطول نشرها نيكولو باغانيني في ميلانو في العام 1820، وتحديداً على شكل دراسات للكمان منفردة. وهي في مجموعها تحمل الرقم واحد في سلسلة أعمال هذا الموسيقي... وتشكل، في رأي نقاد كثر، أهم ما كتبه من موسيقى على الاطلاق. صحيح أن هذه الأهمية تأتي من الجانب التقني الخالص الذي يطبع المقطوعات كلها، لكنه في الوقت نفسه يأتي من البعد الفني لعدد منها، ولا سيما منها تلك التي أعاد موسيقيون كثر الاشتغال عليها، ومنهم فرانز ليست الذي حوّل خمساً منها من كونها موضوعة للكمان، الى قطع للبيانو، التي أعاد موسيقيون كثر الاشتغال عليها، ومنهم كذلك روبرت شومان الذي اقتبس من باغانيني 12 نزوة جعلها تعزف - مع تعليقات - على البيانو الكبير. وقد وصل الأمر الى رخمانينوف الذي اشتغل أوائل القرن العشرين على"تيمة"من تيمات هذه النزوات ليحولها الى تنويعة تعزف كذلك على البيانو. فهل علينا هنا أن نحذو حذو كبار النقاد لنشير الى أن التقليد، هذه المرة على الأقل، تفوق على الأصول، وأن ما أتى لدى باغانيني، تقنياً تجريبياً، صار عبر ابداع"مقلديه"أعمالاً فنية كبيرة؟ ان الجواب عن هذا السؤال يخص في الحقيقة من يحبون الاستماع الى الأصل والتقليد ليحكموا بأنفسهم. أما هنا فنبقى عند تلك الدراسات الباغانينية المسماة"نزوات".
> تتسم هذه المقطوعات في شكل عام بكونها قصيرة غالباً، وشديدة التنوع في أشكالها. وهي تتألف، بالنسبة الى البعض منها من جزء موسيقي واحد خطي، يبدو عبارة عن جملة موسيقية - تتكرر أحياناً -، لكنها بالنسبة الى البعض الآخر، قد تتألف واحدتها من جزءين أو ثلاثة مع موضوعات وتنويعات. ولعل هذا التنوع هو الذي جعل الدارسين يرون أنها - وبصورة عامة - تشكل ما يشبه"حقل تجارب لدراسة آلة الكمان وإمكاناتها"... وهو ما ينطبق أيضاً على أعمال كثيرة أخرى لباغانيني - ما يفسر، ولو جزئياً، شغف الموسيقيين بالتنويع على موضوعات هذا الفنان وجمله الموسيقية -. غير أن ما يميز"النزوات"في هذا الاطار، هو أن التجريبية تتسع لتشمل أصنافاً كثيرة من الإبداع الخاص بالكمان، والمستعار أحياناً مما يكرس آلات أخرى. وكل هذا يقدم هنا في شكل ممنهج، كما حال الهارمونيات المزدوجة، وتوحيد"بيتزيكاتي"اليد اليسرى مع ضربة القوس، وپ"التريمولوس"المصاحبة للميلوديا، وتعدد أنواع الستاكاتو، والمرور الى الوتر الرابع... وما الى ذلك من أساليب ننقلها هنا بحذافيرها عن عدد من الدارسين الذين غاصوا، تقنياً، في تجديد باغانيني في كل المجالات ما يعطيه دور الريادة، وجمودها، حيث نعرف أن ثمة فنانين آخرين تلقفوا من بعده كل هذه التجديدات وضروب الأسلبة، التي تبدو لديه مدرسية تجريبية، ليحولوها الى أعمال ابداعية خالصة.
> والحقيقة أن هذا الفارق بين المجدد الرائد، والمقلد أو المتابع المبدع، هو الذي استوقف الباحثين، وجعلهم يقولون مثلاً ان فن باغانيني يكشف كم أن آفاقه الفنية كانت محدودة، عكس قدرته على الابتكار التي كانت من دون حدود، ووضعها تاريخ الموسيقى في خدمة فن الموسيقى أكثر مما وضعها في خدمة الفنان المبتكر نفسه. ومع هذا كله، ثمة من بين النقاد المؤرخين من رأى في الأمر ظلماً كبيراً لباغانيني، مستنداً الى المقطوعات نفسها لكي يقول ان ثمة من بين هذه النزوات قطعاً ملهمة وجديرة بأن تقارن، حقاً، بأعمال، باخ في المجال نفسه. وهؤلاء يضربون مثلاً على هذا التأكيد بالنزوة الرقم 1 - من مقام"مي"كبير - ذات الهارمونيا الغنية والقفزات المدهشة، والنزوة الرقم 2 - من مقام"سي"صغير - ذات الصفاء والعذوبة اللامتناهيين. ويتابع أصحاب هذا الرأي واصفين النزوتين الرقم 11 وپ21، بأنهما"تتمتعان بميلوديا نادرة"، لافتين، مثلاً، الى أن النزوة التي تحمل الرقم 6 - من مقام"صول"صغير - تبدو مفعمة بالقوة الفنية التعبيرية، على رغم أنها للوهلة الأولى تبدو أشبه بتمرين تقني خالص... ولمناسبة الحديث عن هذه"النزوة"السادسة قد يفيد أن نشير الى أنها تبقى دائماً المفضلة لدى النقاد والباحثين،"لأنها ذات طابع تأملي"يبدو"فريداً من نوعه في موسيقى باغانيني". حتى وإن كانت النزوات 13 وپ17 وپ24، هي التي تعزف أكثر من غيرها من جانب الموسيقيين الذين يرون في عزف بعض هذه النزوات ألقاً وإعادة اعتبار الى آلة الكمان. علماً أن النزوة الرقم 24 هذه جذبت الموسيقيين الى الاشتغال عليها، أكثر من أي نزوة أخرى، فنقلها ليست الى البيانو، أما براهمز فإنه جعل منها موضوع تنويعات حرة أداها على البيانو لتصبح من أشهر أعماله، وتساهم، حتى أكثر من نزوات باغانيني مجتمعة في تأكيد شهرة هذا الفنان لدى محبي الموسيقى.
> ومن هنا الى القول بأن شهرة باغانيني انما صنعها مقلدوه ومتابعوه ومنفذو تجاربه التقنية، خطوة قطعها النقد والتاريخ الموسيقي دائماً، ولكن - كما أسلفنا - مع قدر كبير من الظلم لفنان عاش 1782 - 1840 في عز العصر الذهبي لازدهار الموسيقى الكلاسيكية الألمانية، فأمن وحده تقريباً حضور الموسيقى الإيطالية الخالصة، في زمن كان أهل الموسيقى يعتبرون أن لا وجود لهذا الفن الأوركسترالي أو على آلات منفردة إلا في المانيا، تاركين لإيطاليا فن الأوبرا والغناء، أي الفن الذي لم يبرغ فيه باغانيني في شكل خاص. وباغانيني عاش على أية حال حياة حفلت بالبؤس والازدهار، كما امتلأت بالنساء وحكايات الغرام، بحيث يعتبر من أشهر العشاق في تاريخ الموسيقى الايطالية، الى درجة ان الكتاب الوحيد الموجود عن باغانيني في العربية منذ الخمسينات هو كتاب مترجم عنوانه"باغانيني ساحر النساء"... ويكفي هذا العنوان، بالطبع، سبباً للعمل الدائم على اعادة الاعتبار الى أصحاب "النزوات" الأشهر في عالم هذا الفن.
المصدر: الحياة
_________________________________
نماذج من اعماله
https://www.youtube.com/watch?v=vPcnGrie__M
https://www.youtube.com/watch?v=ra-mRawdH3o
https://www.youtube.com/watch?v=fFzla9OYiwk
https://www.youtube.com/watch?v=scOYnUf9gJo
https://www.youtube.com/watch?v=dLJMXMy1FcU
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق