يرى الواقع الثقافي المصري هذه الأيام مثيراً للرثاء
عبدالنبي فرج: صار الكاتب كيس نقود يفخر بالجوائز والسفريات
القاهرة – آية ياسر:
عرف بآرائه السياسية الجريئة وانحيازه في كتاباته للفقراء والمهمشين.. مولع بالأسطورة والحكايات الشعبية في ابداعاته الأدبية.. إنه الروائي المصري عبد النبي فرج الذي صدرت له حديثًا رواية “سجن مفتوح” وقد صدر له من قبل جسد في ظل, طفولة ضائعة, الحروب الأخيرة للعبيد, ريح فبراير, مزرعة الجنرالات, حول توجهاته وأفكاره كان لـ”السياسة” هذا الحوار معه:
* ثمة تشابه بين الكاتب بطل روايتك الجديدة “سجن مفتوح” وبينك ككاتب.. فهل تنتمي الرواية لأدب السيرة؟
* الايهام جزء أساسي من الضفيرة السردية لدي, فما تراه واقعا ملتصقا بالكاتب, أو من الواقع المباشر, لو عرفت المصدر الحقيقي ستجده, إما ضربا من الخيال, أو بعيدًا عني تماما, وما تراه تخيلا, أو ضربًا من الوهم ستجده يرتكز على واقع صلب, فالعمل السردي لدي شديد الالتباس والتشابك والتعقيد مثل الواقع والحياة, وهذا لا يعني أنني أتنصل من بطلي, فقد استفدت من عملي, وأنا لست متمركزا حول ذاتي, لكن عيني مفتوحة الى أقصى درجة على الحياة والواقع, واستغرق فترات طويلة في بناء عوالم حالمة.لديك رواية وعليك أن تقرأها كعمل فني, فالرواية عمل خلاسي, شديد المرونة والانفتاح لذلك ستظل هي المعبر الأول عن أشواق الانسان في العصر الحديث.
* لماذا استخدمت لغة خشنة في صياغة الرواية؟
* منذ مجموعة ” جسد في ظل” يتصارع لدي نمطان من الكتابة, نمط استخدمت فيه اللغة الشعرية والمناطق الدافئة الحميمة, للتعبير عن واقع مشوه وخراب إنساني مريع, لذلك يدور السرد في اطار حلمي, أسطوري, منخلع من فكرة التراتبية في الحكي مستسلم لبناء فضفاض هش, تسقط فيه كاتدرائية البناء, والشخصية المركزية والزمن المحدد.
النمط الآخر هو البناء الصلب, اللغة الجافة الخشنة الصلبة الدالة, التقشف حد العري, الشفاهية في الحوار, حتى تتصور أنني التقطه من أفواه الناس. وفي كتابة “سجن مفتوح” عانيت أشد المعاناة حتى انني أتحاشى قراءتها بعد الطبع وهناك أحداث في الرواية تسبب ألما لي, وهي تدور حول كاتب لا يستطيع أن يحتمل الفساد والتدليس وبزنس الثقافة “وتشيلني وأشيلك”, ليعود لقريته ويفتح محلا للبقالة حتى يصاب بالعقم والموت.. إنها رواية عن خنق الموهبة والجلود السميكة وكيف تحول الوسط الثقافي لمافيا للارتزاق ودعم السلطة المستبدة للحصول على هبات وعطايا الحاكم, انها رواية عن الفقراء والمهمشين والمنفيين والمغيبين.
معارك عبثية
* رواية “مزرعة الجنرالات” هل تحمل اسقاطا سياسيًا على الواقع المصري؟
* الرواية كتبت في 2006 ونشرت في 2010 قبل ثورات الربيع العربي وهي استبطان للواقع العربي من خلال شخوص من لحم ودم تخوض معارك عبثية لينتهي الحال بها الى الخراب.
* ما الذي أضافه استخدام الهوامش الى النص الروائي في “مزرعة الجنرالات”؟
* أمقت البناء الكاتدرائي في السرد الروائي والشخصية المركزية وتراتبية الأحداث وفق ترتيب خطي مسترسل, لذلك اقطع السرد بهذه الهوامش لاضفاء حيوية, وأهرب من فكرة مركزية الشخوص, كما أن هذا البناء يعطي مرونة في الحكي ليثري الرواية بشخوص ومناطق جديدة.
* استخدمت تقنيات متعددة في نصك كالايهام بالواقع والحوار العامي والمونولوج الداخلي, فما الغرض الفني من ذلك؟
* الايهام بالواقع نوع من الفخاخ الخبيثة للعب مع القارئ, وقد تكون لاضفاء نوع من الحميمية أو رسالة للقارئ أن هذه حكاية عنك, أو عن جارك, وأن الروائي تصادف انه كان هناك.وأنا ألتقط أشياء من الواقع وأصوغها لأن مفهومي للرواية أنني صانع رواية, ولست أنتظر ان تسقط علي هبات, أعمل بجد لبناء سردي للقارئ واستخدم كل الحيل لجذب انتباهه وجعله يستمر معي, وأنا ابن مخلص للحكي الشفاهي من أفواه مواهب فردية مرعبة وحكاءة من طراز فريد في الريف المصري, ابن السير الشعبية وقصة أبو زيد الهلالي سلامة والراوي العظيم عم جابر أبو حسين, ابن للفن في العالم الرواية والشعر والسينما والفن التشكيلي والموسيقى.
أعيش وسط الناس واحتك بهم يوميا وأكتب عنهم, فلا استخدم لغة متعالية أو كاذبة على لسانهم, واللغة المتعالية أو الفصيحة أسهل في الكتابة من اللغة المحكية, وتحويلها لعمل فني شديد الصعوبة ويحتاج لاعادة كتابتها ويتم نسجها في النص حتى لا تكون سطحية, أو مباشرة بشكل مبتذل.
عوالم أسطورية
* كيف نجحت في المزج بين الواقع والمتخيل دون الاخلال بالبناء الدرامي للنص؟
* الرواية عمل بشري أقرب للحرفة, وكلما اجتهدت وحذفت وأعدت الكتابة مرات ستصل لمفهوم خاص ومختلف للرواية.وهناك روايات ومنها رواية “ريح فبراير, وسجن مفتوح, وجسد في ظل, مزرعة الجنرالات” أعدت كتابتها أكثر من 15 مرة. كما أنني أعيش في واقع قاس لذا أبني عوالم أسطورية وحالمة لا تنتهي أبدًا, وأنا قارئ جيد, واستفيد من الروايات السيئة مثلما استفيد من الجيدة, وعيني مفتوحة على أخطاء الروايات لأتجنب الوقوع فيها.
* في المجموعة القصصية “جسد في ظل”, لماذا يبدو الجسد دالاً مركزياً وتوليفة أساسية تدور حولها المجموعة؟
* في المناطق الفقيرة الموبوءة بالحكم التسلطي, يفقد الفرد ثقته في ذاته ويشعر بالعجز أمام آلة الدكتاتورية, وتصبح السلطة آلة جبارة مخيفة لا يجب الاقتراب منها, فيسحق الفرد أمامها ويتحول لمسخ ولا يجد أمامه فرصة لتحقيق ذاته, الا من خلال الجسد, الواقع الملموس الذي يعرفه ويسيطر عليه سواء كانت امرأة أو رجلاً فيصبح الجسد أداة للصراع وساحة للعنف الرمزي والمادي, ويتحول خلالها البشر لكائنات عنكبوتية شريرة للسيطرة كلاً على الأخر, فالرجل يتصور انه يملك شريكته تمامًا فيتفنن في قهرها بكل الحيل, لكي لا تفلت منه والمرأة كذلك تجد في الرجل مجرد ملكية خصوصاً ليحقق آمالها العينية والرمزية فتتحول الحياة من سكن الى صراع وجودي ينتهي بالانكسار والموت والقتل لأنه مبني على الأكاذيب والغش والخداع.
* هل تعمدت اضفاء طابع أسطوري على الأمكنة بالمجموعة؟
* أنا مشبع بالأسطورة ولها عندي مصادر كثيرة أهمها الأساطير الشعبية الموجودة في الريف, كالجنية والمارد والعفاريت وأم عشوش وضاربين القبة, ألف ليلة وليلة وهذا العالم الغريب المدهش, وقد رصدت مخاوفي وخيالاتي وكوابيسي الذي عشتها وتغذيت فيها على أرثها في روايتي “طفولة ضائعة”. ومادامت شخوصي أسطورية يجب أن تدور الأحداث في مكان حلمي أسطوري والمكان فاعل وشاهد في السرد, وكل قصة في “جسد في ظل” كانت مكتوبة بداخلي حتى النهاية قبل أن أكتب.
* في القصة الثانية “عايدة يوسف 2″ استخدمت صيغتين من الحكي, تبدأ بالمخاطب, وتنتهي بالمتكلم, فما دلالة ذلك؟
* كنت أنزعج في البداية من تعدد الضمائر لدي لأنه يسبب التباسا لدى المتلقي لكن بعد فترة اكتشفت أن المرونة في تعدد الضمائر تثري السرد وتضيف جوانب يصعب بل يستحيل على الراوي العليم وحده أو المخاطب, أو الغائب طرحها.والدراسات النقدية ودراسات ما بعد الحداثة, جعلتني أثق في اختياري في تعدد الضمائر, فالضمير الصلب الذي يقوم بسرد كل شيء من خلاله كان فاشياً بطبيعته لأنه يكشف عن جزء فقط من المشهد بطريقة محددة.
* يرى البعض وجود نفس “كافكا” في نهاية القصة الثالثة, فهل هذا صحيح؟
* لم يقترب كاتب من كافكا الا وقد تأثر به, وهو غول كتابة, وشيخ طريقة في الحكي, تأثرت بكافكا وجويس والمعلم بورخس والرائع ماركيز ومعلمنا ادوار الخراط ونجيب محفوظ خصوصاً روايات الحرافيش ورامه والتنين وعبد الحكيم قاسم ويوسف ادريس ومحمد عفيفي مطر والعطار في منطق الطير, وشعراء قصيدة النثر, وكل من يدعي أنه يخلق فهو أحمق, فنحن نتعامل مع أرث كتابي ضخم ولا يمكن ابتداع كتابة من العدم.
* هل حملت قصتك “حرائق” ملمحًا ايروتيكيًا؟
* الاروتيكا جزء رئيس من روح البشرية ولو أقصاه لتحولت الحياة الى واقع بائس مجدب عقيم, فهذا الجزء هو المؤثر الرئيس لتشكيل الفرد ورغم ذلك هناك رغبة كاذبة في عدم التطرق له. والعرب يعيشون في أكبر كذبة وأعظم فترة للتزييف والنفاق, فالجسد متعة وخيال وعنصر جمالي من دونه يتشوه الفرد ويتحول لكائن عقيم, علينا أن نعلنه ولا نخجل منه, كتبت عن الايروتيكا في معظم أعمالي وأحيانًا كنت أفكر في حذف جزء خجلًا لكني أرفض الحذف, وتم ارغامي في هيئة الكتاب كي امرر عملي على حذف جزء كبير من رواياتي, لأن الناقد الذي تحول الى رقيب أشار الى مقاطع يراها جنسية ولا يجب المجتمع أن يراه وهي مخالفة للتقاليد العقيمة التي يؤمن بها.
* في قصة “اتجاهات مهتزة”, هل تعمدت تعرية الواقع الثقافي المصري؟
* الواقع الثقافي المصري عار مثير للرثاء فقد تحول الفن والكتابة الى “سبوبة” ونسي هؤلاء أن الكاتب صوت الضمير وصوت المهمشين والضائعين والفقراء وليس صوت السلطة الحاكمة حتى لو كانت ديمقراطية, فالكاتب تحول الى كيس نقود يفتخر به من خلال جوائز عفن وسفريات على حساب كرامته ونزاهته وهبات تدفع بلا حسيب أو رقيب في مقابل تدجين في مزرعة يملكها جيش من المزيفين والفاسدين.
* في روايتك “الحروب الأخيرة للعبيد”, لماذا اعتمدت على الشفاهي وآلية الراوي الشعبي في سرد الحكايات؟
* أنا ابن جماعة شعبية مهارة الحكي صفة أساسية بها, وقابلت حكائين أسطوريين كنت أجلس أمامهم مسحور بهذا الأداء الشفاهي, ثم عشت في قرية تسبح فوق بركة من الأساطير الشعبية.وفي الحروب الأخيرة وطفولة ضائعة التفت لموروثي دون أي نوع من الايديولوجيا فأنا لا أكتب لاستعادة هوية أو الاحتماء بهوية ولكن أكتب ما أعرفه.
* لك الكثير من الاصدارات الأدبية المهمة التي لم تحظ باحتفاء اعلامي كافياً بمصر, فما السبب؟
* الوسط الثقافي يغوص في بركة من الفساد ولا أحد يحصل على مقابل مادي أو معنوي عن عمل أدبي وان كل المكاسب الصغيرة يحصل عليها الكتاب مقابل “صمت الحملان” هذه الحقيقة تدعمها مئات الوقائع التي تكشف حجماً هائلاً من الفساد خصوصاً الصحافيين أو محرري الصفحات الأدبية فلا احد يحصل على قطعة من “التورتة” الا اذا كان صحافيًا سواء من الداخل أو الخارج, أو يخدم في مؤسسة ثقافية تابعة للسلطة أو رأس المال الخاص تتيح له تبادل المنافع, لذلك فان عدم الاهتمام بنشر أو الترويج لروايتي وقصصي ليس بدافع شخصي, بل لأنني لا امتلك شيئاً أبادلهم اياه لدرجة أن كاتباً صديقاً يعمل محرراً ثقافياً عاتبته على انه لم ينشر خبراً عن روايتي فقال لي : اكتب عني اكتب عنك, كما أنني بصراحة “لساني طويل” وافضح ممارساتهم الفاسدة وصفقاتهم مع مؤسسات الفساد.
* كيف تقيم المشهد الثقافي المصري الآن؟
* المشهد الثقافي مشوه والأعمال الأدبية التي طفت على السطح معظمها رديء ولن يعبر المشهد الثقافي عن الواقع الحقيقي بمصر الا بدولة حرة ديمقراطية, أما ما نراه اليوم فهو مجموعة من الكاذبين المدلسين اختطفوا المشهد الأدبي لصالحهم.
- See more at: http://al-seyassah.com/%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%8A-%D9%81%D8%B1%D8%AC-%D8%B5%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%AA%D8%A8-%D9%83%D9%8A%D8%B3-%D9%86%D9%82%D9%88%D8%AF-%D9%8A%D9%81%D8%AE%D8%B1-%D8%A8/#sthash.9H0za5Qi.YkWWLVRq.dpuf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق