الخميس، 18 أغسطس 2016

مقتطف من رواية: (جنوب الحدود غرب الشمس)

مقتطف من رواية: (جنوب الحدود غرب الشمس)
للكاتب اليابانيّ: هاروكي موراكامي
ترجمة: محمد عيد إبراهيم
.......................
                                                        

(في الجرّة، رمادٌ أبيض. وبعناية بالغة، حتى لا يتطاير أيّ منه، صبّت الرماد براحتها اليُسرى. يكفي بالكاد ملء يدها. رماد تخلّف عن إحراق جثّة، كما ظننتُ. الظهيرة هادئة دون عاصفة، فلم يثُر الرماد. أعادت شيماموتو الجرّة الفارغة إلى كيسها، ألصقت سبّابتها بالرماد، ثم وضعت الإصبع على فمها ولعقته. نظرت إليّ، وحاولَت أن تبتسم. لكن لم تستطع. ظلّ إصبعها قرب شفتيها.
ريثما تجثم جنب النهر، تنثُر الرماد، كنتُ أقف جوارها، أرقُب. في لحظة تطايرت حفنة الرماد الصغيرة. فوَقَفنا أنا وهي على الشطّ، نحدّق في الماء. كانت تحدج راحتها، وفي النهاية نفضت عن يديها رفيقاً بقايا الرماد، ولبست قفّازها.   

سألت "هل يصل إلى البحر حقاً؟"
قلتُ "على ما أظن". لكني لم أكن متأكّداً. فالمحيط على مسافة بعيدة. قد يقرّ الرماد في ذات مكان. لكن حتى عندئذ، فإن بعضه، أخيراً، سيصل إلى البحر.
تناولَت شظية من لوح خشب منبوذة قربها، بدأت تحفر بقعة أرض ليّنة. فعاونتُها. حين حرثنا حفرة صغيرة، دفنَت فيها الجرّة ملفوفة بالقماش. نعبت الغربان، عن بُعد، تراقب أفعالنا من البدء للختام. فكّرتُ، لا يهمّ؛ انظروا إن أردتم. فلم نكن نفعل السيئات. كلّ ما فعلناه، بعثرنا حفنة رماد محترق في النهر. 
سألَت شيماموتو، وهي تلمس أعلى حذائها الرياضيّ "تظنّه يستحيل إلى مطر؟"
فتطلّعتُ إلى السماء. قلتُ "سيتبدّد بعد قليل". 
"لا، ليس ذلك ما أعنيه. أقصد، هل يطفو رماد طفل إلى البحر، يمتزج بماء البحر، يتبخّر، متشكّلاً في سحاب، ثم يسقط على هيئة مطر؟"
فرفعتُ بصري إلى السماء مرة أخرى. ومن ثم إلى النهر في دفقه.  
جاوبتُ "ليس لكِ أن تعرفي".)


ليست هناك تعليقات: