الجمعة، 1 نوفمبر 2013

الحروب الأخيرة للعبيد

الحروب الأخيرة للعبيد - فصل من رواية
هل كانت الجدة مجنونة ؟ دخلت الغرفة لكى أسرق الزبد وأضعها على رغيف وآكل فى حذر أدخل حتى لا تحس بى العجوز التى أصبحت أخافها فى الفترة الأخيرة ، يزيك الباب أراها فى ركن الغرفة تتنفس فى بطء .. الجدة التى تجاوزت المائة تمدد يديها الهزيلتين على العصا .. مين ؟ عيناها ممطموسة بلحم جفونها كلما اقتربت منى أشعر برعب .. جفونها تآكلت ، قلت : أنا … ترد فى مودة ابن الغالية تعالى .. لا أستطيع أن



أتحرك أو أرد حتى تأتى وتسحبني من أذني وتقول فى صوت غليظ وحاد كأنها يلبسها شبح تعال كل مع خالك موسى قبل ما يخلص الجدى …
خالى مات … أقولها بحدة .
الجدة شاربها استطال وجف عودها – تماما – ولم يبق منها سوى عينين تومضان بوميض شرس خال من الحياة تنقض على فى حركة خاطفة مفاجئة لى غارسة رأسي فى الأرض حتى تكاد تخلع أذني وملابسها الكثيرة تكبس على بعطنها الذى يفوح منها …. السبع ما يموت يا كلب …. !!
تشهق ، حتى تصورت أنها ستموت فجأة وأنا أراها ذاهلة تتخبط فى الحوائط حتى أننى بكيت من أجلها وهى تفتح الدولاب المغروس فى قلب الحائط وتخرج حق النشوق وتضع الخليط ما بين أصابعها ثم تشد فى قوة وتعطس ضحكت ذاهلة عن وجودى – تماماً – تفتح السحارة وتخرج منها شومة مغموسة بالدم وتدور فى الغرفة وقد دبت فيها الحياة … وصلب عودها والعصا فى يدها ترقص وتضرب بالعصا فى ضربات هو جاء تزعق وكأنها موسى الكومى : الفتوة الجدع سيد الرجال عاد من قبره أنا موسى الكومى يا بلد .
ثم تكومت على الأرض ناشجه فى قسوة وعنف إلى أن سمعنا صوت امرأة تجرى فى الشارع وتطلق الصوات وصوت أقدام تدبدب فى الأرض
البلد خربت ، موسى الكومى طلع بالشومة ، الجدة رفعت الشال القطيفة الذى يغطيها وأنا جريت فى الشارع وأرى الرجال يحملون الشوم والبلط والفؤوس ويجرون تجاه السرايا ، أجرى بعزم مابى فى الشارع تطاردنى أصوات النسوة الملتاعة … يالهوى البلد خربت !!!
ذهبت إلى البيت وجدت أبى يجلس فى الغرفة الداخلية يشعل سيجارة من أخرى ثم يندفع تجاه الباب الخارجى ثم يعود مرة أخرى ليجلس مكانة . حيرة أبى وقلقة وصمته المتواطئ جعلنى أكبت رغبتى فى حمل شومة أن الأخر وسأظل طول عمرى أكبت رغبتى فى أشياء كثيرة بدون مبرر قوى ، ماذا جرى ؟ أمى تصرخ فى الشونة صراخاً مكتوماً وحاداً وتضرب بيدها على وجهها ، وسقطت الطرحة وتلوثت الجلابية السوداء بالجلة وهى ترى موسى الكومى يسقط مكوناً بركة ثقيلة من الدم وصوت الأب يتردد فى وعيها : إن خرجتى تكونى طالق
كتاب يحيى حقى فى يدى وقد تمزقت أوراقة ولم يبق إلا صفحات قليلة ، فككت الدبوس الذى يقبض على أوراق الكتاب ، وأخذت أطيره صفحة وراء الأخرى حتى انتهيت من أوراقه . جلست على الرمل ناظراً إلى قرص الشمس الذى يدفع الشبورة .. أخرجت المطواة قرن غزال وأخذت أزيل الندى الرقيق وصدري يمور بغل وغضب من كونى أنا عليه مهمل ، لا أستطيع أن أزيح ركام الضعف حتى أننى أكاد أبكى ، لأنني لا أستطيع أن أؤذى أحداً … أكبت غلاً يمور بداخلي وأعصابي غير قادرة على تحمل نتيجة كشفى لذاتى الحقيقة فى ممارسة العنف قلبى يرتعش وأنا أرى أمى تزوم ويتدفق منها سيل من الدموع . ترى انهيارات أمك المتتالية وينفرط عصبك ويتحول عنفك إلى مجرد صوت فقط ، وداخلك يخبو وتحس أنك صغير وتافة وتعلم أن هذه الأشياء تدمرك من الداخل لا تستطيع أن تقسو على أمك وأنت شاهد على عذاباتها وانكسار قلبها المتكرر من الموت الواقف لها بالمرصاد ولأحبائها ، كبرياؤها الشديد قد دمر وأصبحت عجوزاً مسالمة تفزع من أى شئ يمسك أو يمس أخوتك وأنت أخذت على نفسك عهداً أن لا تخزلها أبداً وستطوى كل شئ داخلك وأنت تعلم أنك تدمر من الداخل وتقرب المسافة التى تقطعها نحو الطبيب النفسى لماذا لا تترك هذا المكان ؟ ستبكى قليلا أمك وبعد ذلك ستتعود على البعاد وستجد حياتك الحقيقية …
ستحرر على الأقل قليلا ً وتشم هواء نقيا ً، ستغنى وترقص وتحلم كما تشاء وتمارس كل الطقوس وحدك كما تشاء ولكن أنت لا تسطيع هذه حقيقة غير قابلة للشك ، خائف علمتك أمك الخوف ، الخوف من عدم قدرتك على تحمل مسؤولية التحرر ، أن لا تحتمل أعصابك عبء السير فى الطريق وحيداً … !!
أقف على التبة وبيدى مطواة قرن غزال أشرط بها قحوف التين فى شراسة القحوف اللينة تتساقط ورائى حتى غمرنى العرق وبدأ سن المطواة يلمع مسحتها وأغلقتها تاركاً أشجار التين مشوهة وماء ثقيل يُنز منها .. صعدت العلواية وظهر البيت من بعيد . أغلقت المطواة ووضعتها فى جيب السيالة ولم أتخل عنها سوى بعد أن رأيت شبل يدخل .
دخل بيت أرملة ولها ولدان كان المطلوب منها أن تخرج الفلوس التى معها … أزاح الباب ودخل رفع شريط اللمبة فخرجت من تحت اللحاف وكأنها خارجة من قبل ، وضع يده على فمها وأشار لها بعدم الكلام وأخرج سكيناً طويلة يقطع جمل كى تخاف ورغم ذلك لم تكن خائفة ، رأى الخوف فى عيون الناس .. كان وجهها يزداد صلابة وصفاراً غريباً زاد الحقد داخله فسألها : الفلوس فين ؟ لم ترد أخذ يكر عليها أن تأتى الفلوس .. أزاحت الخرق التى تغطى بها نفسها فلم يجد شيئاً الولدان بكياً .. وهى بدت تهاجمة وصوتها يعلو جن مال على رقبتها وشرطها ومزق الأولاد وأشعل النار فى البيت وبعد أن خرج فى اليوم التالى كان يروى كل شيء بهدوء وهو ينشر الملابس بعد أن انتهى من غسلها وهو يرتدى قميصاً من الدبلان والملابس بدت زاهية ومزهرة على حبل الغسيل ، أصبحت بمرارة تاركاً المكان وأنا أعلم يقيناً أن هذا الطريق ليس طريقى ، وأننى يجب أن أتجاوز هذه الفترة من حياتى . أن أنساها . عدت إلى البيت وأنا فى طريقى أخرجت المطواة من السيالة وعلبة السجائر ورميتها فى الترعة كان يداخلى يعى تماماً أننى يجب أن أعد نفسى ككاتب . لا ولكن كإنسان يحترم ذاته .
البيت مبنى بالطين وحيد ثابت جواره حلفاء منطوياً كأنه قبة . حشائش جوار البيت ومرصوص عليها الجلة الجافة ، وكوم السباخ مكوم وراء الجاموسة المربوطة بحبل من أذنها ومقيدة من رجليها شبل يجلس تحت الجاموسة وبين فخذية الدست الفخار أشرت إليه لم يرد جلست على الرمل فى انتظار انتهائه من حلب الجاموسة ، سيول اللبن تضرب فى قاع الدست . الحمارة ظهرها مجروح ، والذباب يحوم حول الجرح ، والحمارة تضرب بالحافر فى الأرض قدمه مغروسة فى الطين وعندما انتهى قام من تحت الجاموسة ووضع الدست على رأسه وهو ينادينى .
- العواف .
- أهلاً يابا شبل .
قالها بصوت طفولى ووجهه به نقط لبن متناثرة عليه وهو يحلب الجاموسة . سرت وارءه ، فتح الباب بهدوء ثم وضع الدست على الأرض وأحضر القربة ووضع فيها اللبن ثم ترك جزءاً فى الدست . أشعل البابور ثم وضع عليه صحن به اللبن حتى غلي فأنزله وسار داخلاً الغرفة حيث تنام الزوجة . أجلس قبالة الباب ، كانت ما تزال نائمة وهو واقف جوار السرير يهمس بصوت واطئ حتى لا يزعجها كانت تطلق شخيراً عالياً . لم تصح . خرج مرة أخرى وأنزل البراد من على البابور .
كسر خبزاً جافاً للبط والأوز ووضع له الماء فى وعاء فرط كوز ذرة ورماه للكتاكيت أمام الباب ثم دخل مرة أخرى يقدم رجلاً ويؤخر الثانية وكأنه يعتذر عن وجوده ، يده ترتعش ، اليد التى قبضت على البلطة واقتفت أثر غريمة فى لعبة رصد من كليهما عشر سنوات ظلا خلالها يطاردان بعضهما إلى أن أغفل غريمة وأحسن بالأمان فى هذه اللحظة كانت البلطة قد همشت رأسه تماماً الذى أخذ ينتفض حتى سكن جسده سحبه على صدره وأحس براحة ، كان يريد أن ينام . أن يمدد الجسد ويجلس جواره ويحكى له حكايته ، كان يريد أن يروى تاريخه فى تلك اللحظة يريد أن يقوم القتيل من رقدته ويثنى على شجاعته ، لحظة الإعجاب هذه هى التى يريدها البيه كان يعرف أن يتسلل إليه بنعومة ويدفعه فى الطريق الذى يريده ، لم يفعل شيئاً سوى أن أغمض عينه قليلاً لكى يسكت الضجيج الذى فى رأسه . ثم حمله وسار به وسط حقول الذرة ، الهواء تقيل وأوراق الذرة الجافة تصدر وشيشاً مزعجاً . صعد الجسر ثم نزل فى البحر حتى وصل إلى عنقه تم تركه يعوم . عاد إلى البيت فى غاية السعادة ، استحم وذبحت عائشة وزة يحب الأكل ويتلذذ بالطعام وهو لم يهنأ بالطعام منذ فترة طويلة ، أكل حتى انتهى ، وكأنه لم يأكل من سنة



عبدالنبي فرج

ليست هناك تعليقات: